أوتار الفؤاد أوس ل منال سالم
المحتويات
اختفى لتعاود التحديق في الأوجه البائسة التي تمر بجوارها بدت نظراتها أكثر تأففا عن ذي قبل لتخطو بعدها في اتجاه بنايتها القديمة وهي تمني نفسها بأيام قادمة تحمل لها من زهو الحياة ورغدها ما سينتشلها من ذلك الفقر المدقع.
عملتي إيه في هالة ردي عليا!
صړخت بطة بتلك الكلمات الغاضبة في وجه والدتها الهادئ على الرغم من جدية الموقف وتأزمه بعد أن علمت بما صار بأختها. طالعتها الأخيرة بنظرات عادية فاترة وخالية من العواطف لا تنم عن اهتمام أمومي بها أشاحت بوجهها بعيدا عنها لتقول بعد تنهيدة مطولة وكأنها تستدعي الكلام على لسانها
صاحت متسائلة في انفعال
أومال هي فين والكلام اللي داير بين الخلق!!
أجابتها على مضض وعبوس واضح يكسو ملامحها
هي اللي عملت كده في نفسها وجابتلنا الجرس والفضايح
ثم تركتها لتتجه إلى المطبخ غير مبالية بالحالة العصبية المسيطرة على بكريتها اندفعت بطة في اتجاهها لتعترض طريقها سدت عليها المدخل توبخها في حنق
قست تعابير أمها لترد مدافعة عن نفسها
وأنا كان بإيدي إيه يعني
ثم أخفضت نبرتها لتتصنع الحزن الممتزج بلؤمها الخبيث عل خدعة اهتمامها بفلذة كبدها تنطلي عليها
كنت هاقف لوحدي قصاد العالم القادرة دي ده احنا حيالله ناس غلابة لا لينا في التور ولا الطحين الرك على أختك ده بدل ما تاخدي بخاطري وتقولي اجمدي يامه!
أجابتها بوجه ممتقع التعبيرات
الله أعلم
هنا انفلتت أعصابها فهدرت صاړخة
يعني إيه الكلام ده أختي فين يامه رد عليا وريحيني!
أجابتها بنفاذ صبر مستخدمة يدها في التلويح
أهي راحت مع واحد تبع الباشا جوز المحروسة بنت فردوس.
سألتها بإلحاح محاولة الضغط عليها لتبوح لها بكل ما تعرفه
مين ده
ردت بزفير مستاء
رمقت بطة والدتها بنظرة احتوت على الكثير من المشاعر الناقمة على أسلوبها الجاف في تقدير الموقف ثم أشارت لها بسبابتها تهددها
أنا هاكلم تقى وهاعرف مين ده اللي خد أختي من هنا بس صدقيني لو حصلها حاجة فأنا مش هاسامحك ومش هاسكت!
ردت بتبرم
ضاقت عيناها بنظرات مغلولة تحمل من العتاب واللوم ما قد يفتت الصخور الصلبة لن تتغاضى عن سلبيتها تجاه أختها ستسعى جاهدة للوصول إليها واستعادتها من جديد وستقف لها الند بالند إلى أن تأتي بحقها المسلوب وتحميها من طمعها. ابتعدت عن طريق والدتها لتعود إلى حقيبتها الملقاة على الطاولة القديمة فتحتها لتفتش بين محتوياتها عن هاتفها المحمول وما إن وجدته حتى هاتفت تقى وسألتها على الفور بعد ترحيب موجز بها عما تعرفه عن أختها بدت الأخيرة مشغولة بهمومها ولم يصل إلى مسامعها ما يتعلق ب هالة ومع ذلك وعدتها بالوصول إليها شكرتها بطة راجية إياها بنبرة مستعطفة
أمانة عليكي تطمنيني عليها لو عرفتي أي حاجة إنتي عارفة هي غالية عندي إزاي واعتبريها زي أختك وأنا مش هنسالك المعروف ده أبدا.
ردت عليها تقى برقة
حاضر أنا هاكلم أوس وأفهم منه كل حاجة وأطمنك وماتقلقيش طالما حد تبعه يبقى هي في أمان
ربنا يباركلك يا رب معلش يا حبيبتي دايما لبخاكي بمشاكلي أنا وإخواتي.
كانت صوتها ناعما حينما عقبت عليها
ماتقوليش كده احنا عيلة واحدة.
نردهالك في الفرح دايما تسلميلي يا رب.
قالتها بطة وهي تنهي معها المكالمة بعد أن شكرتها بامتنان مضاعف واعتذرت لها عن إزعاجها المتكرر وتوريطها في مشاكل لا تخصها. كانت
تقى متفهمة لخۏفها الطبيعي والغريزي على أختها بل وأكثر دراية بما تتكبده لحمايتها من جشع والدتها المستمر الذي لا يهدأ أبدا لذا كانت أكثر حرصا على تقديم يد العون لها دون كلل أو ملل.
صڤعة قاسېة كانت جارحة لكرامته ومستهينة بمشاعره تحملها مرغما أثناء توبيخ ابن عمه العڼيف له بعد أن عرف بما فعله مؤخرا بتلك المراهقة أثناء انشغاله بالمستجدات التي تخص عائلته. اغتاظ أوس من تجاهله لتعليماته وتصرفه من تلقاء نفسه دون الرجوع إليه واستشارته أولا فعامله بقسۏة منقطعة النظير وما زاد الطين بلة مكالمة تقى له. وبالرغم من الإهانات اللاذعة التي تعرض لها إلا أن يامن ظل صلبا شامخا رافعا لرأسه في ثبات عجيب ولو أعيد به الزمن لكرر نفس الفعلة لإنقاذها من شفير المۏت اخشوشنت نبرة ابن عمه وهو يتوعده
مش هاعديلك اللي عملته ده يا يامن!
استجمع جأشه ليرد غير مبال
وأنا مش فارق معايا لأني مكونتش هاسيبها هناك لحد ما تعمل في نفسها حاجة
علق عليه بغلظة
فكرك أنا مش عارف باللي يخصها
لم يرد عليه وظلت نظراته مسلطة على وجه ابن عمه الحانق بينما تابع أوس مرددا بخشونة
عيوني عليها وعليك في كل مكان ودبة النملة بتوصلني حتى لو كنت فين!
ثم توحشت نظراته حينما أضاف
وأنا عارف إزاي أجيبلها حقها.
خرج يامن عن صمته ليعاتبه قائلا بحدية متعصبة
ولما إنت عارف كل حاجة كده مجبتش حقها ليه من الكلب اللي أذاها أو حتى منعته يقرب منها!
هدر به صائحا بصوته الجهوري الذي أخرسه
يامن!
أطبق الأخير على شفتيه كاظما حنقه مؤقتا كي لا يستفز الۏحش الكاسر الكائن بداخل ابن عمه فيثور عليه عكست تعبيراته المشدودة ما يدور بداخله من ثورة مستعرة تزداد تأججا مع مرور الوقت راقبه أوس ببرود تام ثم سحب نفسا مطولا حپسه للحظة في صدره قبل أن يحرره دفعة واحدة. استقام في وقفته يرمق يامن بعينين غاضبتين لا تقبل بالغفران اقترب خطوة منه ليربت على كتفه بقوة وهو يقول له عن ثقة مؤكدة
قريب أوي هاتشوف.
تدارك يامن غضبه وسيطر عليه لحظيا قبل أن يتعهد له
ماشي مستني أشوفك هاتعمل ايه يا باشا بس لو إنت ماتصرفتش فأنا مش هاسكت!!
كان أوس على وشك التهور عليه لاستخفافه بقدراته اللا محدودة واشتدت بالفعل قبضته على كتفه لكنه ما لبث أن تخلى عن اندفاعه ليسأله مباشرة وقد غامت عيناه
ومش هاتسكت ليه هي تخصك في حاجة
أجابه دون تفكير
أيوه..
بات إلى حد ما متأكدا من التكهنات التي تساوره بشأن وجود علاقة تربطه بها تركز بصره عليه يسأله مراوغا
ليه يعني ما هي واحدة زي أي واحدة بتعطف عليها و..
نجح ببساطة في استفزازه بكلماته الموحية وإخراجه عن سكوته الزائف ليعترف بما يخبئه عنه فهتف يامن مقاطعا إياه بتردد ندم عليه لاحقا
لأنها.. تهمني!
أبعد أوس يده عن كتفه ليدس قبضتيه في جيبي بنطاله انتصب في وقفته أكثر وطالعه بنظرة متفحصة وهو يعقب عليه
إنت مش واخد بالك إنك مهتم بيها زيادة عن اللزوم وأنا حذرتك قبل كده ملكش دعوة بيها ولا تتدخل في حياتها!
توترت قسماته واضطربت نظراته نسبيا وضعه في خانة اليك ليضيق عليه الخناق ابتلع يامن ريقه مبررا
وأنا مأذتهاش
رد عليه بصلابة
لكن فارض نفسك عليها بدون إذني!
هتف مختلقا الأعذار
بس أنا بأحميها.
علق عليه محذرا بجمود ليحثه على الاعتراف بما يخفيه
وهي مش محتاجة حمايتك أنا كفيل بيها فأحسنلك تبعد عنها
هنا استجمع يامن شجاعته ليبوح بمكنونات قلبه التي طالما احتفظ بها لنفسه نظر مباشرة في عينيه وقال بثبات ليؤكد على صدق مشاعره نحوها
بس أنا بأحبها!
ردد أوس مستنكرا اعترافه وقد تقلص وجهه
بتحبها
ابتلع ريقه ليضيف معللا
أيوه أنا اتعلقت بيها ومش هاسمح لحاجة تأذيها أو حد يتعرضلها من غير ما أدافع عنها وأحميها
هدده قائلا
بلاش هبل وإياك تتسلى بيها لأني مش هارحمك!!!
رد عليه رافضا اتهامه وصوته المتشنج قد ارتفع في مواجهته
وأنا مابكدبش أنا فعلا بأحبها ومستعد أعمل أي حاجة عشانها ليه مش عاوز تصدقني
ذكره إصراره العنيد بالذود عن تلك المراهقة بما فعله سابقا حينما جابه والده الراحل وحارب الجميع بضراوة من أجل الفوز بقلب حبيبته واستعادة ثقتها المفقودة به أفاق من شروده السريع رامقا إياه بنظرة غريبة دارسة له كان يخشى من احتمالية انسياق يامن وراء رغباته مستغلا ظروف هالة البائسة لذا سأله قاصدا الكشف عن نواياه وتعرية الحقيقة الغائبة عن ذهنه أمامه
لو افترضنا إن اللي بتقوله ده حقيقي فكرك الهانم أختك هتوافق على علاقتك بيها
هتف غير مبال
مايهمنيش رأيها أنا مسئول عن قرارتي وهي مالهاش الحق تتدخل في اللي أنا بأعمله في حياتي!
التوى فمه معلقا ببسمة متهكمة
لأ راجل!
اغتاظ يامن من أسلوبه المقلل من شأنه والمحقر من قدرته على إدارة الأزمات فصاح متسائلا بتذمر
إنت ليه بتعاملني كده ليه مفكرني عيل ومش أد كلامي وقادر اتحمل المسئولية!
أجابه بنبرة جليدية خالية من التعاطف
عشان عارفك كويس.
لأ إنت غلطان يا أوس أنا اتغيرت.
للحظة صمت أوس متذكرا كيف خاض ذلك الحوار المعاند
بحذافيره من قبل وكأن الزمن قد عاد للوراء ليجسد له المشهد مرة أخرى مع فارق تبادله للأدوار مع ابن عمه أخفى ابتسامة ساخرة تلوح على شفتيه ليحتفظ بجدية تعبيراته مط فمه ليقول بعدها متهكما
بالبساطة دي فجأة كده صحيت لاقيت نفسك واحد تاني! إنت بتضحك على مين عليا ولا على نفسك!
أصر على إثبات حسن نواياه قائلا
أيوه أنا حقيقي اتغيرت هي وافقت عليا أنا هتجوزها
علق عليه بازدراء
يعني بتعترف إنك بتغصبها عليك!
صحح له مقصده بدفاع مستميت
مش مظبوط أنا عمري ما هجبرها على حاجة هي مش عاوزاها.
رد عليه أوس متحديا بشكل سافر كورقة ضغط أخيرة
وأنا هامنعك تقرب منها حتى لو كان فيها أذيتك!
هنا فقد يامن قدرته على ضبط انفعالاته فهاج صارخا وغير عابئ بتبعات ردة فعله
ولو موتني حتى أنا مش هابعد عنها!
للدرجادي
وأكتر بكتير يا ابن عمي!!
احتدمت المناقشة بينهما وزادت من توتر الأعصاب واستثارتها لدى ابن عمه الصغير كان أوس متملكا لأقصى الحدود صارما في موقفه معه غير متهاون فيما هو متعلق بها
تهدل كتفا يامن في يئس معتقدا في نفسه أنه فشل في إثبات حبه الصادق ل هالة رجاه متوسلا عل رأسه المتيبس يلين
افهمني يا أوس! أنا مش بألعب ولا عاوز أضحك عليها أنا فعلا بأحبها ومتسألنيش ده حصل إزاي وامتى بس أقل حاجة تضايقها بتخليني عاوز أولع في الدنيا بحالها عشانها.
راقبه دون إبداء أي رأي مما شجعه على الاسترسال أكثر فأضاف بتمهل شديد الحذر
وافتكر إني مكونتش كده عمري ما ارتبط بحد ولا اهتميت غير بنفسي وبس وأنا نفسي أطلعها من اللي هي فيه
استهزأ به قائلا بأسلوبه الجاف ومتعمدا إعادة المناقشة لنقطة البداية
قول إنك
متابعة القراءة