فارس
المحتويات
كل هذا الړعب والخۏف والفزع أغمضت عينيها وابتلعت ريقها وهى ترتعش وبدأت فى بكاء هيستيرى كانت تريد كل شىء ففقدت كل شىء حتى حياتها كادت أن تفقدها فى لحظة ڠضب
عاد إلى منزله مساءا وهو يشعر أنه قد فقد جميع قواه وبذل مجهودا نفسيا مضنيا هبت والدته منتفضة واتجهت إليه متلهفة وقالت
كده يا فارس تعمل كده فيا انا كنت ھموت من الخۏف عليك
معلش يا أمى أنا آسف كان جوايا شحنة وعاوز اطلعها فى مكانها اللى يستهالها
نظرت إليه متفحصة بقلق وهى تتسائل
روحتلها مش كده عملت فيها حاجة
هز رأسه نفيا وهو يقول بابتسامة واهنة
مټخافيش عليا أنا فشيت غلي فيها وخلاص هو أنا مچنون أضيع نفسى فى واحدة زى دى
نام شوية طيب شكلك تعبان أوى ده انت حتى مستريحتش من ساعة ما رجعت
خرجت وتركته يهوى بجسده المنهك فوق فراشه وهو يفكر فى زوجته وما فعلته به منذ أول يوم زواجهما وحتى هذه اللحظة ويتسائل عن سبب واحد فعله معها جعلها تنكر كل شىء وتقذف به خلف ظهرها وتخطوا فى طريقها على جثته بهذا الشكل القبيح فلم يجد شىء إلا دنائتها فالشخص الدنىء لا يؤثر فيه معروف ولا يستقبح منكرا
وكانت هذه هى النتيجة غطى الطمع عينيها ولم تجد دينا يردعها فما كان منها إلا الخېانة أغمض عينيه فى سكون وهو يشعر فيهما پألم شديد وكأن نغزات شوك شديدة تنغزه من كثرة الإرهاق والتعب والجهد ورغم أنها الليلة الأولى التى سينامها على فراشه بعد كل ما مر به إلا أنه لم يرتاح وظلت رأسه تدور حتى سقط فى نوم عميق فجأة وكأن النوم بئر قد أسقط فيه رغما عنه على حين غره
لاء لسه مصحيش يابنتى أطمنى ليه القلق اللى انت فيه ده قلتلك امبارح أنه جه كويس ودخل نام لاء مټخافيش لو كان حصل حاجة كان هيبان عليه يعنى طيب ماشى خلاص مع السلامة
كانت بتطمن عليا مش كده
أبتسمت والدته بمكر وهى تقول بلامبالاة
هى مين دى قصدك مين
اقترب منها وقبل وجنتها وهو يقول بمرح
مش عارفة مين
يا ست أم فارس
ضحكت
وهى تتجه للمطبخ فدخل خلفها وهو يقول بأصرار
ألقت عليه نظرة وهى تعد الأفطار ثم قالت
وانا مالى أسأل صاحبة الشأن
تنهد بقوة وهو يقول
اسألها ازاى بس مش هينفع اكلمها أصلا
وضعت والدته طبقين فى يديه ثم أخذت بقية الأطباق وخرجت من المطبخ وهو يتبعها
وقالت
والله لو دخلت البيت من بابه هينفع تكلمها ونص كمان
جلس على المقعد خلف المائدة وهو يقول مراوغا
أنت شايفة كده يعنى
نظرت له نظرة جانبية وضړبته على كتفه وهى تقول
يا واد بطل تتلائم عليا ده انت عاوزها النهاردة قبل بكره
ضحك وهو يمسك يدها التى ضړبته بها وقبلها ثم قال
هو انا معرفش أهزر معاكى شوية يا حجة علطول فقسانى كده
أبتسمت فى سعادة وقالت
تحب احددلك معاد أمتى
أخرج هاتفه من جيبه ووضعه أمامها على المائدة قائلا
دلوقتى
نظرت إلى الهاتف ثم نظرت إليه بدهشة وقالت
أنت بتكلم جد يا واد
أخذ الهاتف وضغط رقم منزلها وأعطاها الهاتف وهو يومىء برأسه أى نعم
أخذت الهاتف
مبتسمة بدهشة من تصرفاته الصبيانية وكأنها ترى ولدها لأول مرة !
نظرت أم يحيى إلى مهرة التى كانت تفرك يديها بتوتر بالغ وقد احمرت وجنتيها بشدة بعد أن أخبرتها بطلب فارس وقالت لها
يعنى مردتيش عليا يا مهرة أوعى تكونى مستغربة زيى انا وابوكى
لم تستطع أن ترفع وجهها كان الخبر كفيل بأن يفقدها وعيها ويلجم لسانها ها هو حبيب العمر يتقدم طالبا الزواج منها ثانى يوم تحرره من الأسر وكأنه لم يكن فى أسر السجون فقط هزتها أمها من كتفها وهى تقول
يابنتى ردى على ابوكى
رفعت مهرة رأسها إلى والدها الذى قال
هتعملى فيها مكسوفة ما تردى على طول ها اقوله أيه موافقة ولا رافضة
همهمت فى خفوت فلم يسمعها أحد منهما هتف والدها بصوت عالى انتفضت له وهو يقول
متعلى صوتك
جلست والدتها بجوارها وهى تقول
حبيبتى المرة دى مش هنجبرك على حاجة أنت حره مټخافيش أنا عارفة انه أكبر منك بعشر سنين واكتر وانت بتعتبريه زى اخوكى الكبير و
قاطعتها مهرة فجأة وهى تقول بسرعة
موافقة
فارس أنت بتهزر ولا بتكلم جد!
ضحك فارس وهو يجيب عمرو عبر الهاتف النقال
هى الحاجات دى فيها هزار يا عبيط اخواتك انت طبعا بتكلم جد
قال عمرو بمرح
أصل مش معقول أنت عارف انت اكبر منها بكام سنة ولا ناسى طب وهى وافقت ازاى
تنحنح فارس وهو يقول
وأيه المشكلة مش فاهم
تنهد عمرو وقال
طب وهى قالتلك أيه وافقت على أساس أيه يعنى
أبتسم فارس ابتسامة واسعة وهو يقول
بينى وبينك انا كنت ھموت واشوفها واتكلم معاها لما طلعت عندهم فى البيت لما كنت بتفق مع والدها على التفاصيل بس هى بقى مرضيتش تخرج وامها قالتلى انها لو خرجت دلوقتى هيغمى عليها من الكسوف
ضحك مرة أخرى وهو يقول
حتى لما اتلككت وقلتلهم طيب لو هى عاوزه تسألنى على حاجة هتعمل أيه وانا لو عاوز اسالها على حاجة هعمل ايه مامتها دخلت كلمتها وخرجت تقولى بتقولك لو عاوز تسألها على حاجة قول لماما وماما هتقولى وانا هرد عليك عن طريقها وانا مش عاوزه اسأله على حاجة علشان انا عارفة كل حاجة!
ضحك عمرو ضحكات رنانة وقال
للدرجة دى مكسوفة منك سبحان مغير الأحوال قولى بقى الخطوبة أمتى كده
رفع فارس حاجبيه وقال
خطوبة ايه يا عم الحاج هو انا بتاع خطوبة تفتكر يعنى لسه هخطب بقى وأغض البصر وكده وبعدين هى كمان بقت تكسف منى أوى وأنا عاوز أخاليها تاخد عليا شوية أحنا اتفقنا على كتب الكتاب على طول
عمرو
طب قولى أمتى بقى علشان أجى احضر
فارس
كنا هنخاليها الخميس بس علشان سيادتك بقى هنخاليها الجمعة
قال عمرو مداعبا
تصدق يا فارس انا عمرى ما شوفتك كده أبدا حتى فى جوازتك الأولى مكنتش فرحان أوى كده للدرجة دى بتحبها
زفر فارس بقوة محاولا أخراج جميع انفعالاته وقال
بحبها أيه يا أخى أنا مش لاقى كلمة توصف أحساسى بيها أنا لما بلال كلمنى فى السچن ونبهنى حسيت بعدها انى عاوز أكسر حيطان الزنزانة وأخرج اشوفها كان نفسى اشوفها أوى يا عمرو ساعتها حسيت بالسجن فعلا كان هو ده سجنى الحقيقى أنا مش عارف انا ازاى مخدتش بالى العمر ده كله
الفصل الثلاثون
فى مساء اليوم التالى دخل فارس مكتب الدكتور حمدى بعد أن هاتفه وطلب منه الحضور على الفور لأن والد هانى قد جاء إلى المكتب وينتظره هناك طرق فارس باب حجرة مكتب الدكتور حمدى ودلف إليه وهو ينقل بصره بين الدكتور حمدى ووالد هانى الذى كان يقبع أمام حمدى وقد ظهر حول عينيه السواد من شدة الإرهاق والأكتئاب الذى يعانيه منذ أن حكم على ولده بأحالة أوراقه للمفتى
جلس الرجل يستمع إلى
فارس وهو يقص عليه ما حدث معه منذ أن دخل مكتبه أول مرة وطلب منه الدفاع عن ابنه هانى فى قضية القټل
كان يستمع إليه وهو محدق به تتسع عينيه شيئا فشيئا غير مصدق ما تسمعه أذنه حتى انتهى فارس قائلا
يعنى مش ابنك لوحده اللى اترمى فى السچن بسبب القضية دى أنا كمان اترميت ظلم وده الفرق بينى وبين ابنك
ضاقت عينيى الرجل وهو يقول بذهول
يعنى مراتك هى اللى عملت كل ده لوحدها بعد ما رميتك فى السچن هى و وائل
أومأ فارس برأسه وقال بأسى
أيوا مراتى ووائل
صاح الرجل باڼهيار
يعنى مراتك تتمتع بالفلوس وانا ابنى يتعدم واخسره
رفع فارس رأسه إليه وقال بجدية
ومين قالك انها هتتمتع بالفلوس دى زورت أوراق رسمية يعنى هتتحبس هى واللى ساعدها
ډفن وجهه بين كفيه وهو يبكى هاتفا
وابنى يا ناس أبنى هيروح مني
مال فارس للأمام وقال بهدوء
الحكم ده مش نهائى ده غير ان المحكمة هتراعى انه اعترف على نفسه
رفع رأسه ونظر إليه وهو يضرب كفيه بحسرة
يعنى كل التعب اللى تعبت فيه ده كله وانا بربيه وبكبره وبصرف عليه وبعمله اللى هو عايزة وفى الاخر ياخد مؤبد ولا أعدام ليه كده يا هانى انا قصرت معاك فأيه يابنى
تبادل فارس مع الدكتور حمدى النظرات المشفقة على الرجل وانحنى فارس باتجاهه وربت على كتفه قائلا
التربية مش معناها انك تديله فلوس وتخليه مش عاوز حاجة أنت كنت مخصصله شقة بتاعته من غير رقيب ولا حسيب على تصرفاته أنت اديته فى أيده الأداه اللى دمر بيها نفسه وانت فاكر انك بتسعده
مسح الرجل دموعه وهو يقول بحزن
أنا كنت بقول ده راجل مش بنت علشان أخاف عليه
ربت فارس على كتفه وقال
الحلال والحرام مفيهوش راجل وست كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته أنت لو كنت ربيته على الحلال والحرام كنت كسبت راجل فى ضهرك دلوقتى يقف جنبك ويساندك
نهض الرجل بتثاقل وقد شعر أن جبلا قد وضع على ظهره فلم يعد يحتمله وقال بوهن
متشكر يا دكتور فارس بس انا فوقت متأخر أوى بعد ما ابنى ضاع مني وماليش حيلة خلاص
وقبل أن يخرج من حجرة المكتب تبعه الدكتور حمدى مربتا على كتفه مطمئنا له وقال
متقلقش زى ما قالك فارس الحكم مش نهائى
أومأ الرجل برأسه حزنا وهو يشعر بالضياع لم تنفعه أمواله فى أن ينشىء رجلا حقيقيا يعتمد عليه فى مراحل عمره المتقدمة ومرضه الذى بدأ يزحف إليه رويدا رويدا
بعد خروج الرجل من مكتبه أخرج فارس جواب استدعاء من النيابة وقدمه للدكتور حمدى قائلا
الآستدعاء ده جالى النهاردة الصبح علشان قضية التزويرقرأ الدكتور حمدى جواب الاستدعاء وهو يومىء برأسه ثم قال
ده كان متوقع يا فارس طبعا متنساش أن أسمك فى التوكيل أول أسم
مط شفتيه
قائلا
عموما متقلقش فى أكتر من اثبات أنك مكنتش شغال القضية دى
تنهد فارس بعمق وقال
أنا مش قلقان يا دكتور أنا عارف انى هطلع منها بسهولة ان شاء الله أنا هروح بكره واحط أقوالى وربنا ييسر الأمر والموضوع يخلص على كده
نظر له الدكتور حمدى بإشفاق قائلا
معلش يا فارس أنا عارف أن اللى حصل مش سهل عليك وصدمتك فى مراتك مش قليلة بس
متابعة القراءة