فارس

موقع أيام نيوز


لم يكن 
عاد فارس وحسن من صلاة العشاء وجلس كل منهما خلف مكتبهما
ولكن نورا لم تنسى تحييه بابتسامة قائلة
تقبل الله
منا ومنكم
نظر حسن إلى الجميع باهتمام وقال وكأنه سيدلى بمعلومة سرية
أنتوا عرفتوا يا جماعة أن الأستاذ باسم هيسيب الشغل هنا وهيفتح مكتب خاص بيه
قال فارس دون أن يرفع نظره إليه بلا مبالاة
أيوا عارفين

قالت نورا باهتمام 
تفتكروا مين اللى هيمسك أدارة المكتب مكانه يا جماعة
أكمل حسن حديثه وكأنه لم يستمع إليها قائلا
طب عارفين انى هروح معاه
نظر له فارس باستنكار وقال
ليه يا حسن أنت هنا بتاخد خبرة أكبر وبتتعلم من الدكتور حمدى
قال حسن بتهكم وهو يشير إلى حجرة باسم
وهناك هاخد فلوس أكتر
ردت دنيا بحماس وكأنها قد وجدت من يعينها ويفكر مثلها
برافو عليك ده تفكير منطقى جدااا
ألتفت فارس وقال بضيق
تفكير منطقى ازاى يعنى الفلوس مش كل حاجة
أومأت نورا موافقة لكلامه وقالت
ده صحيح الخبرة وسمعة الدكتور حمدى أكبر من المرتب بكتير
ثم التفتت إلى حسن وهى تتابع حديثها
وبعدين يعنى الفرق مش هيبقى كبير
عقد حسن ذراعيه أمام صدره وقال مخالفا
ولو جنية واحد زيادة هيفرق معايا وبعدين انتوا مش ملاحظين ان
الشغل هنا ابتدى يقل 
وأخفض صوته وهو يستطرد قائلا
والدكتور كمان مبقاش يجى كتير
قال فارس بانفعال
ده علشان الدكتور مبيقبلش قضايا المخډرات والقضايا المشكوك فيها يعنى على الأقل يا أخى ضامن ان مرتبك من فلوس حلال
أبتسم حسن بسخرية وهو يفتح ذراعيه قائلا
أهلا الشيخ فارس وصل
هب فارس واقفا پغضب وأشار له محذرا وقال
ألزم حدودك معايا يا حسن
وقفت نورا مسرعة وهى تقول منفعلة
أيه يا أساتذة صلوا على النبى كده واهدوا كده صوتنا هيوصل للدكتور
أسندت دنيا رأسها إلى كفيها وهى تنظر إليهم مشتتة أفكارها وهى تقول فى نفسها
أومال لو قلتله انى عاوزه اروح اشتغل معاه هيعمل فيا أيه
أوت إلى فراشها ليلا وهى تمسك بالهاتف النقال فى يد وبالكتالوج فى اليد الأخرى محاولة فك طلاسم هذا الهاتف وهى تتمتم بسخرية من جهلها وفجأة صدح رنينه بين يديها تفاجأت وهى تنظر لأسم باسم تضىء به شاشة هاتفها وهمهمت قائلة
معقول مديهولى وهو مسجل اسمه عليه
ترددت لبرهة ثم قررت الرد فقال على الفور
ها التليفون عجبك
أستيقظ فارس قبل الفجر بساعة وهو يمد يده ويطفىء ساعته المنبهة التى تصدح يوميا فى مثل هذا الموعد معلنة عن وقت صلاة القيام تململ فارس فى فراشه وهو يشعر بأجهاد شديد وكأنه لم ينم إلا منذ لحظات قليلة ولكنه جاهد نفسه وهب واقفا حتى لا يفكر فى العودة إلى النوم مرة أخرى ويغلبه كسله وأجهاده توضأ وعاد إلى غرفته وجلس وهو ممسكأ بالمصحف يقرأ ورده الليلى شرد بعقله قليلا وهو يفكر كيف لم يفكر فى أن يطلب من الدكتور حمدى بأن يفصل بين النساء والرجال فى مكتبه خشية الاعتياد والألفة التى تضفى صفات خيالية محببة بين الزملاء والزميلات والتى قد تطور إلى مفهوم آخر 
وضع المصحف جانبا ووقف يصلى القيام وأطال فيه حتى ركع وأطال فى الركوع حتى سجد ولأول مرة يشعر بسجود قلبه مع سجود جبهته أطال السجود وهو يشعر بحلاوته التى يتذوقها بقلبه وجوارحه أغمض عينيه وهو يدعو لا يريد أن يفارق تلك السجدة التى وجد حلاوتها ووجد نفسه يدعو اللهم أكفنى بحلالك عن حرامك وأغننى بفضلك عمن سواك 
دخلت والدتها لتوقظها فى الصباح فوجدت الهاتف النقال بجانبها فأخذته وظلت تنظر إليه بأمعان وتتفحصه وباليد الأخرى توقظ دنيا وتهزها هاتفة بها
قومى يا دنيا أيه اللى جاب التليفون ده معاكى
نهضت دنيا متكاسلة وهى تتثائب فتحت عيونها فوجدت والدتها تمسك هاتفها النقال بين يديها وتقلبه متسائلة
بتاع مين ده يا دنيا
أنتزعته من يد والدتها وهى تقول برجاء
الله يخليكى يا ماما مش عاوزه بابا يعرف ليقعد يحقق معايا
نظرت لها والدتها بشك وقالت
وانا يعنى مش هسألك
قبلتها دنيا على وجنتها وقالت 
أنت مامتى حبيبتى مش هتعقديلى الدنيا زى بابا
أبعدتها والدتها عنها قليلا وبرفق قالت
طب جاوبينى مين اللى أدهولك
أستاذ باسم مدير المكتب اللى حكتلك عنه قبل كده أنه عاوز ياخدنى معاه مكتبه
وجابهولك بمناسبة ايه ده
بمناسبة عيد ميلادى يا حبيبتى
صمتت والدتها قليلا ثم قالت بتوجس
مش عارفة مش مرتاحة
عانقتها دنيا وقبلتها مرة أخرى وهى تنهض من الفراش قائلة بثقة
متقلقيش يا حبيبتى أنا عارفة بتعامل مع الناس ازاى
نظرت والدتها إليها وقد خرجت من الغرفة ثم التفتت إلى الهاتف الملقى على الفراش وشردت تماما ولأول مرة تشعر بالقلق حيال تصرفات ابنتها 
ويوم الخميس وفى المساء كان منزل عزة مهيأ
لتلك المناسبة المبهجة حفل خطوبة عزة وعمرو كان الحفل بسيط ينعزل فيه الرجال عن النساء نوعا ما فالنساء فى الصالون والرجال فى الخارج يفصل بينهما بابا لا يكاد ينغلق من الزحام لذلك احتفظت عبير بنقابها حتى لا يراها أحد دون أن تشعر 
لم يكن هناك شخص أسعد منه فى تلك اللحظة التى طوق خاتم خطبته أصبعها وأخيرا أصبحت له لم يكن بحاجة إلى التعبير عن سعادته فلقد تكفلت عيناه بهذا الأمر مما جعل عزة تشعر بتأنيب الضمير
لأنها لا تبادله نفس مشاعره ولا حتى جزء منها غير الأحترام وفقط!
كان فارس يجلس مع الرجال فى الخارج وفجأة شعر بمن يهزه من الخلف نظر خلفه فوجد مهرة أبتسم كعادته كلما رآها واستدار إليها فى جلسته ودون أن يقف أقتربت من أذنه وهى تشير إلى محمود أخو عمرو الأصغر والذى لم يتجاوز الثانوية بعد وهى تقول 
ألحق يا فارس الواد الرخم ده بيضايقنى
نظر فارس إلى حيث تشير ثم نظر إليها مرة أخرى متعجبا وقال
بس هو شافك أزاى أصلا علشان يضايقك
نظرت له پغضب ومطت شفتاها وقالت
أنت كمان بتتريق عليا
قال مداعبا
طب متزعليش بقى خلاص انا هقوم أكسرلك عضمه
ثم حك ذقنه وهو يقول
هو ضايقك ازاى يعنى خد منك حاجة
حركت رأسها نفيا وقالت
لاء بيقولى شعرك حلو أوى
نظر لها بدهشة ثم تصنع الجدية والڠضب وهب واقفا وهو يقول
طب استنى هنا انا هروح أكسرهولك
تقدم فارس من محمود أخو عمرو وهى تتبعه كظله وقال مداعبا له 
أنت يا أخ انت بتعاكس خطيبتى ليه
ضحك محمود وهو يقول
خطيبتك أيه يا أبيه فارس بقى
الأوزعة دى خطيبتك
صاحت مهرة من جواره پغضب
أنا مش أوزعة
أمسكه فارس من شعره كما يفعل به دائما كلما رآه وقال له
عارف لو شفتك بضايقها تانى هعمل فيك أيه هحلقلك شعرك اللى فرحان بيه ده زلبطة
ثم الټفت إلى مهرة وأشار لها آمرا وقال بجدية مصطنعة 
اتفضلى يا هانم اقعدى جوه مع الستات أيه اللى مطلعك وسط الرجالة
أستدارت مهرة وهى تنظر إلى محمود بانتصار وشماتة ودخلت عند النساء كما أمرها فارس
بينما قال فارس لمحمود بجدية
أنت من صغرك كده هتقعد تعاكس البنات أومال لما تكبر شوية هتعمل ايه وبعدين ملقتش إلا مهرة يعنى
قال محمود بخجل
بصراحة يا أبيه فارس أنا ناوى اخطبها لما تكبر أنا رايح تالتة ثانوى وهى رايحة تالتة أعدادى يعنى قريبين من بعض
أمسكه فارس من كتفه وقال بجدية
بقولك ايه يا محمود أنت فى مرحلة حرجة دلوقتى يعنى تركز فى مذاكرتك أحسن يابنى علشان تعرف تدخل كلية محترمة وبعدين يعنى اشمعنى مهرة دى شعرها أطول منها
ماهو ده اللى عاجبنى فيها يا أبيه
كتم فارس غيظه وهو ينظر إليه شاعرا بتفاهته وقال
هو انا واقف معاك ليه أصلا أمشي يالا من هنا
وقفت امرأة بجوار عبير عن قصد وقالت بتشفى 
عقبالك يا حبيبتى
نظرت لها عبير بود وقالت 
جزاك الله خيرا يا طنط عقبال بناتك يارب كده لما تفرحى بيهم
ضحكت المرأة وهى تنوى أغاظتها وقالت
بناتى ! أنا بناتى اتجوزوا من زمان يا حبيبتى مفيش واحدة فيهم قعدت لبعد العشرين عقبالك انت بقى
صمتت عبير ولم ترد فقد شعرت فى نبرة المرأة شىء غير مريح فآثرت الصمت حتى لا تحدث مشكلة تعكر صفو خطبة أختها ولكن المرأة لم تصمت ولم تتوقف وقالت
هو انت عديتى التلاتين ولا لسه يا عبير
بدون شعور منها وجدت العبرات طريقها إلى عينيها حاولت منعها حتى لا تشمت بها تلك المرأة أكثر فرفعت يدها وأنزلت البيشة على عينيها فوق النقاب وهى تقول
لا لسه يا طنط عن أذنك
مرت بهدوء لتخرج من غرفة الصالون ولكن والدتها نادت عليها قائلة 
اطلعى يا عبير هاتى صندوق حاجة ساقعة من بره على السلم
خرجت مسرعة فى طريقها للباب الخارجى للشقة وهى تحاول دفع دموعها للتراجع ولكن بلا جدوى حتى انعدمت الرؤيا تماما لديها واختل توازنها وهى تحاول حمل الصندوق ولم تشعر إلا وهى تسقط من أعلى درجات السلم وفقدت الوعى 
الفصل الحادي عشر
وقفت عزة فى حضڼ والدتها تبكى بمرارة ولم تكن أمها بها من القوة ما يجعلها تخفف عنها كل ما استطاعت أن تفعله هو أن تدعو الله بقلبها ألا تكون عبير قد أصيبت بسوء أقترب عمرو منهما وقال لعزة بعتاب 
مش كده يا عزة المفروض انت اللى تقوى مامتك وتخففى عنها
بكت عزة بقوة أكبر وهى تقول 
مش قادره أمسك نفسى يا عمرو خاېفة على عبير أوى
أنتظر الجميع فى الخارج حتى خرج إليهم الطبيب وهو يحمل صور الأشعة وقد ظهرت على وجهه علامات البشرى وقال محاولا التخفيف من وقع كلماته 
بصوا يا جماعة وقعة زى دى كانت ممكن ټأذى العمود الفقرى لكن الحمد لله العمود الفقرى كويس محصلش غير كسر بسيط فى الرجل اليمين
ضړبت أمها على صدرها وشهقت وهى تقول
بنتى رجلها اتكسرت
ربتت عزة على كتفها وهى تكفكف دموعها قائلة
الحمد لله يا ماما انها جات على قد كده بيقولك العمود الفقرى كان ممكن يتأذى
تابع الطبيب قائلا
أحنا دلوقتى هنحط الجبس ومش أقل من شهر علشان نشيله وبعديه لازم تبدأوا فى العلاج الطبيعى برضة مش اقل من شهر أو اتنين
شعر والد عبير بوهن شديد ووخذة فى صدره ولكنه تماسك وقال بضعف
يعنى دلوقتى هى هتتجبس ونروح على البيت ولا أيه
الطبيب
هتفضل هنا يومين وبعدين تاخدوها وتروحوا بالسلامة
طرق عمرو باب مكتب إلهام ودخل وأغلق الباب وكالعادة رأى ابتسامتها الواسعة المرحبة
به بشكل دائم وفى كل الأوقات وقفت أمامها وهو يتسائل
خير يا فندم حضرتك بعتيلى
أشارت إليه بالجلوس وهى تقول 
تشرب أيه الأول
نظر إلى ساعته وهو يقول بحرج
أنا آسف مش هينفع أصل عندى شغل هخلصه وهمشى على طول عندى ارتباطات مهمة
نظرت إليه متفحصة بجرأة وقالت بهدوء
أيه عندك معاد غرامى ولا أيه
رفع نظره إليها بدهشة من جرأتها وتدخلها فى شئونه الخاصة بها الشكل السافر وقال على الفور
لا معاد غرامى أيه أنا مش بتاع الكلام ده
ثم اردف سريعا
خير يا بشمهندسة فى حاجة فى الشغل
تابعت وكأنها لم تسمعه وقالت
أومال رايح فين 
زادت دهشته من اهتمامها الزائد به وقال 
رايح أجيب أخت خطيبتى من المستشفى مع والدها
أتسعت عيناها ونظرت ليده فلم تلحظ الدبلة الفضية فى يده قبل ذلك
 

تم نسخ الرابط